العقيدة الإسلامية - موضوعات مختلفة – الدرس (20) : البدع والسنة.
لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي بتاريخ: 1999-08-02
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا إتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
إتماماً للموضوع الذي بدأت به يوم السبت فقد وعدتكم أن أعالج موضوع البدعة والسنة في هذا الدرس.
الدين الإسلامي دين الله عز وجل و هو دين توقيفي :
أيها الأخوة، هذا الدين دين الله عز وجل، هو دين توقيفي، ومعنى توقيفي أن الله عز وجل حدد مبادئه وعباداته بشكل مطلق، لا يمكن أن نضيف عليه، ولا أن نحذف منه، فلذلك ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله:
(( ... وَكُلُّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلُّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ ...))
[ مسلم والنسائي واللفظ له عن جابر]
إنك إن أضفت إليه اتهمته بالنقص، وإن حذفت منه اتهمته بالزيادة..
البدعة في اللغة و البدعة في الدين :
طبعاً هناك متشنجون، وهناك معتدلون، فعلينا أن نفرق بين البدعة في اللغة، وبين البدعة في الدين، البدعة في اللغة مطلوبة، البدعة في اللغة كل شيء جديد ابتدع لم يكن من قبل، فلو كبرنا الصوت في المسجد، هذا لم يكن على عهد رسول الله،هل هو حرام؟ لا.. لو بردنا هذا الجو الحار بأجهزة حديثة، هل يُعد هذا بدعة؟ لا.. لو أنشأنا جمعيات سكنية تحل مشكلة الشباب، هل يُعد هذا بدعة؟ لا.. صلاح الدنيا مطلوب، ودعاء النبي عليه الصلاة والسلام: اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا.
أي إذا وفرنا عملاً للشباب، إذا زوجناهم، إذا حللنا مشكلة المياه، حفرنا الآبار، طورنا الزراعة، هذا كله مما يحض عليه الدين، هذا من صلاح الدنيا، فهذا ليس بدعة ضالة، هذا بدعة في اللغة، شيء جديد لم يكن من قبل، لكن وفق مقاصد الإسلام العليا، وفق مبادئه السامية، وفق روحه العامة، هذا الكلام يؤيده قول النبي عليه الصلاة والسلام:
(( ...مَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا بَعْدَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُنْتَقَصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ...))
[ مسلم عَنِ الْمُنْذِرِ بْنِ جَرِيرٍ عَنْ أَبِيهِ]
إذا ألغينا الهدايا في عقود القران وجعلنا مكانها كتباً نافعة، هذه لم تكن من قبل، إذا زوجنا الشباب بهذه الهدايا الباهظة، إذا اعتذرنا عن قبول الورود وقد يكون ثمنها في بعض العقود مليون ليرة، وزوجنا بها عشرين شاباً، هذا عمل طيب، فكل شيء جديد يتوافق مع مقاصد الدين، ومع أهدافه الكبرى، ومع مصالح المسلمين هذا مقبول، هذا ليس بدعة ضالة، هذه بدعة اللغة، بالمعنى اللغوي شيء لم يكن من قبل ولكنه يتوافق مع مبادئ الدين الأساسية، ومع مقاصده العليا، ومع روحه العامة.
لكن البدعة في الدين أن تضيف في العقيدة شيئاً ما ورد عن رسول الله، ولا في القرآن الكريم، ولا عن أصحاب رسول الله، ولا عن التابعين، ولا عن تابعي التابعين، هذه العصور الثلاث التي شهد النبي لها بالخيرية.
أن نفهم القرآن فهماً ما فهمه الصحابة إطلاقاً، وهم الذين كانوا مع النبي، والذين هم على علم عال، فنحن لا نضيف على عقائد الدين شيئاً، ولا نحذف منها شيئاً، لا تستطيع أن تلغي شيئاً، إذا ألغيت في الدين شيئاً اتهمت الله بأنه زاد، وإن أضفت شيئاً اتهمته بالنقص، وربنا عز وجل يقول:
﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِيناً ﴾
[ سورة المائدة: 3 ]
إذا كان هناك جمعية خيرية لجمع التبرعات، وإنفاقها على المحتاجين، هذا عمل طيب، لم يكن على عهد النبي، بلدنا طيب والحمد لله، يوجد مئات الجمعيات الخيرية، تجمع أموال الزكاة وتدفعها إلى الفقراء والمساكين والمحتاجين، هذا العمل لم يكن من قبل.
إذاً البدعة في اللغة مقبولة، أيُّ شيء استحدث لصلاح أمر المسلمين في ديناهم مقبول، ما دام متوافقاً مع مقاصد الشريعة العامة، ومع أهداف الدين الكبرى، ومع روح الإسلام.
أما حينما أحدث عبادة لم تكن، حينما أحدث أوراداً لم تكن، حينما أحدث سلوكاً لم يكن، فهذه البدعة التي نهى عنها النبي وقال:
(( ... وَكُلُّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلُّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ ...))
[ مسلم والنسائي واللفظ له عن جابر]
الأشياء المستحدثة يجب أن تُقاس بمنهج الله عز وجل :
أيها الأخوة، لكن الأشياء المستحدثة يجب أن تُقاس بمنهج الله عز وجل، فإن وافقته، ووافقت أهدافه الكبرى نقبلها، أما إذا عارضته، وعارضت روح الدين الإسلامي نرفضها، فهناك عادات وتقاليد كثيرة جداً جاءتنا مع الغرب، وتتصادم مع النصوص الدينية إذاً نرفضها. لذلك البدعة الحسنة أو البدعة في اللغة، هذه متوقفة على مطابقتها لمنهج الله، فإن وافقته نقبلها، وإن صادمته نرفضها، وإن كان نوع من استعمالها يوافق ونوع من استعمالها يصادم، نوقفها على طريقة استخدمها.
فأنت عندك مسجلة، تسمع بها دروس العلم والقرآن الكريم مقبولة، إنسان يهوى الغناء اشترى مسجلة ليستمع بها إلى الغناء، مرفوضة.
فكل بدعة لم تكن من قبل يجب أن نعرضها على منهج الله فإن وافقته قبلناها، وإن خالفته رفضناها، وإن كان استعمالها واسعاً يمكن أن تكون أداة خير، أو أداة شر، نقول: هذه حكمها موقوف على طريقة استخدامها، وهذا هو المنهج الذي جاء النبي عليه الصلاة والسلام وهذا ما هم عليه المسلمون في شتى بقاعهم وأقطارهم، ومللهم ونحلهم.
لذلك من سنّ سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة.
الآن ببعض البلاد يوجد شيء اسمه عرس جماعي، يزوجون خمسين شاباً بعرس واحد، فكم وفروا؟ المكان واحد، فصار هذا حل لمشكلة.
الإنسان إذا أراد أن يقدم هدية، يقدمها هدية لتزويج شاب. فكل شيء فيه مصالح المسلمين مقبول، لا يوجد عندنا تشنج، ليس عندنا جمود لدرجة أي شيء لم يكن على عهد النبي فهو مرفوض.. لا.
الاختلاط مرفوض، أية بدعة يجب أن تقيّم بمنهج الله، فإن خالفت نرفضها، وإن وافقت نقبلها.
العبرة أن تشرب الماء من ينابيعه، العبرة أن يستمر الإسلام كما بدأ، لا أن تشوه معالمه، ولا أن تُمحى صوره، ولا أن تهدم أركانه، العبرة أن يبدأ هذا الدين وأن يستمر كما بدأ، عندئذ نكون قد حققنا هدفاً كبيراً في أن يكون هذا المنهج منهجاً لسعادتنا في الدنيا والآخرة.
النبي عليه الصلاة والسلام لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى :
أيها الأخوة الكرام، يجب أن نعتقد أيضاً أن النبي عليه الصلاة والسلام لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى، قال تعالى:
﴿ وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى*إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ﴾
[ سورة النجم: 3-4 ]
لكن معظم كلام الناس عن هوى، يتكلم كلاماً لمصلحته، أضرب مثلاً مضحكاً، مرةً أردت أن أشتري ستاراً لغرفة الضيوف، دُللت على محل في أحد أسواق دمشق، فقيل هذا جيد عنده بضاعة جيدة، فجئته، قلت له عندي جدار في غرفة الضيوف عرضه ثلاثة أمتار فكم أحتاج إلى قماش؟
أعطاني قاعدة ذهبية، فقال: يا أستاذ، الستار حتى يكون جميلاً جداً يجب أن يكون طوله ضعف عرض الحائط، زائد متر، فيكون بشكل جميل جداً. اخترت ثوباً، قلت من هذا الثوب أريد ستاراً، كال الثوب فوجده أقل بمترين، الجدار يحتاج إلى سبعة أمتار، والثوب خمسة أمتار. فقال: يا أستاذ هذا المطرز على الفرد أجمل، هو أراد أن يبيع هذا الثوب، فبعد دقيقة غيّر القاعدة لمصلحة بيع الثوب. فقس على هذا الإنسان، أحياناً يتكلم على كيفه، يتكلم لمصلحته، يمدح، يذم، هذا ينطق عن الهوى، هواه أن يبيع هذا الثوب، فقبل دقيقة أعطاني قاعدة ودافع عنها بشدة، وبيّن صحتها، بعد دقيقة غير القاعدة، وقال:
المطرز على الفرد أجمل، و إن كان خمسة أمتار لا مانع.
أما يجب أن نعتقد أن النبي عليه الصلاة والسلام لا ينطق عن الهوى لذلك قال سيدنا سعد بن أبي وقاص: "ثلاثة أنا فيهن رجل وفيما سوى ذلك فأنا واحد من الناس، ما صليت صلاة فشُغلت نفسي بغيرها حتى أقضيها، ولا سرت في جنازة فحدثت نفسي بغير ما تقول حتى أنصرف منها، ولا سمعت حديثاً من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا علمت أنه حق من الله تعالى".
والذي جاء به النبي معصوم عن أن يخطئ بأفعاله، وأقواله، وإقراره.
هذا الاعتقاد هو الذي يجعلك تقبل على تطبيق سنته.
والحمد لله رب العالمين